د.بيتي السقرات
في تسعينيات القرن الماضي كتب نقولا زيادة في جريدة الرأي أن هنالك شواغر في مناصب رؤساء عدد من الجامعات الأمريكية المرموقة، ويعزف في حينه الكثيرون عن التقدم لملء الشواغر رغم تحقيقهم معظم الشروط الواجب توفرها في رئيس الجامعة.
في تلك الجامعات هنالك الآلاف من حاملي درجة الأستاذية ولديهم كتب مؤلفة حقيقية غير مترجمة وأبحاث رصينة أصيلة، يكون نشرها بعد جهد جهيد بحثي وغربلة علمية محايدة من مراجعي الأبحاث العلمية في المجلات المصنفة على أعلى مستوى، ولكنهم يفتقدون لأهم عنصر يعمل على إبقاء الجامعة قادرة على العطاء البحثي وذلك بوجود شرط يقول: "يجب على رئيس الجامعة أن يكون قادراً على جلب الدعم المالي للجامعة".
لذلك يكون التقدم محفوفاً بعدم القدرة على تحمل المسؤولية للنهوض بالجامعة، أما في واقعنا فآخر ما يتم الاعتداد به عند الاختيار هو قدرة إدارة الجامعة على تسديد الديون والتحول لجامعة بحثية بحتة قادرة على تخريج طلبة علم ممن يملكون كفاءة عالية.
في المحيط العربي، الواسطة والجهوية أسوأ أعداء النجاح الأكاديمي، فتجد أن مدد الرئاسة مجهولة وكذلك مبررات اختيار صاحب الوظيفة كما هي أيضا أسس تقييمه لاحقاً.
و نعرج هنا على السمعة الأكاديمية للخريج وللأكاديمي وللإدارة وللموظف الإداري، فلا يوجد من لا يفتخر بجامعته كونها ليست مجرد مكان عمل بل جزء حياتي لكل منتسبيها، وحدوث ما لا يليق يجعل الجميع عرضة للسؤال، لكن لا يجب أن يعاقب الجميع قبل معرفة الحقيقة، ونحن في مجتمع يحكم قبل أن يعرف ماذا حدث، ولكن الوصول للحقيقة سهل لو أراد أحد ذلك.
في دول العالم المتقدم يطرح كل موضوع بحجمه ولا يهوّل أو يقلّل منه، الخطأ وارد في كل مكان و لكن لا يجب خلط الحابل بالنابل.
فأحيانا العدالة المستعجلة تهوّر وكذلك التراخي بسبب واسطة أو جهوية تخاذل.
الحياة الأكاديمية فيها رقي لن يعرفه الإنسان إلا عندما يرى خريجه يسلّم عليه بعد التخرج ليعرّفه بنفسه وشاكراً له حسن صنيعه من تدريس وتوجيه، وكذلك الزميل المتقاعد، وكل منهما يقيّمه طالبه وزميله فهم أعلم وأقدر على التمييز بين الغث والسمين.
التدريس مهنة شريفة وغاياتها شريفة وإنتاجها يدوم وينتقل من جيل إلى جيل.
قال معروف الرصافي:
إذا ما العلم لابس حُسنَ خُلْق
فَرَجِّ لأهله خيراً كثيرا
وما أن فاز أغزرنا علوماً
ولكن فاز أسلمنا ضميرا